بعد 32 عامًا من الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تحرر الأسير المقدسي القيادي محمود عيسى، من بلدة عناتا شرقي القدس، ضمن صفقة طوفان الأقصى، لكن فرحة الحرية جاءت مقيدة، فقد أُبعِد إلى مصر بعيدًا عن بيته وأهله الذين انتظروه ثلاثة عقود.
حُكم عليه بثلاث مؤبدات و46 عامًا، قضى منها 13 عامًا في العزل الانفرادي.
يقول ابن خالته يوسف الحوت بصوتٍ متهدّج وهو يستعيد الذكريات: "نشأنا معًا في عناتا، وكان الأقرب إليّ بين أبناء العائلة كان هادئًا، عميق التفكير، يحمل على كتفيه هموم الناس منذ صغره."

ويضيف لصحيفة "فلسطين": "تربّيت مع محمود منذ كنا في السادسة من العمر كنا نذهب معًا إلى المدرسة في عناتا، ونتقاسم دفتر الواجبات وقطعة الخبز في الاستراحة كان هادئًا لكنه عنيد لا يعرف التراجع."
يوضح الحوت أنه بعد إنهاء محمود الثانوية العامة، التحق بكلية الشريعة في جامعة القدس – أبو ديس، وهناك بدأ نشاطه في الكتلة الإسلامية، قبل أن ينضم إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس بعيد تأسيسها في أواخر الثمانينيات.
ويتابع: "كان محمود يحب الكلمة كما يحب البندقية. عمل مديرًا لمكتب صحيفة (صوت الحق والحرية) في القدس، ثم قرر أن المقاومة ليست مجرد كتابة بل فعل."
في أوائل التسعينيات، أسس مع ثلاثة من رفاقه، موسى عكاري ومحمود عطون وماجد قطيش، أول خلية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام في القدس، وأطلقوا عليها اسم الوحدة الخاصة 101، وكانت مهمتها تنفيذ عمليات أسر لجنود الاحتلال لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين.
في ديسمبر/كانون الأول 1992، قاد محمود عملية خطف الجندي الإسرائيلي نسيم توليدانو، مطالبًا بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين. يقول الحوت: "كان يؤمن أن على العالم أن يسمع صوت الأسرى الفلسطينيين، لكن سلطات الاحتلال رفضت المقايضة، وانتهت العملية بقتل الجندي، فبدأت حملة اعتقالات واسعة انتهت باعتقال محمود بعد ستة أشهر من المطاردة."
في الثالث من يونيو/حزيران 1993، اعتُقل محمود من منزله في عناتا، وحكمت عليه محكمة احتلالية بثلاث مؤبدات و46 عامًا إضافية وقضى محمود أكثر من 13 عامًا في العزل الانفرادي.
يقول ابن خالته: "كانوا يعتبرونه من أخطر الأسرى، حتى إن الكنيست اجتمع بعد اعتقاله وأعلن أنه من أخطر الخلايا في القدس في الزنازين، حُرم من رؤية أمه إلا خمس مرات فقط قبل أن تموت عام 2021، أما والده فقد توفي بعد عام من اعتقاله."
ويضيف قريبه : "داخل السجن، بدأ رحلة جديدة من التعلم والتأليف كتب سبعة كتب تناولت الفكر والسياسة والدين والمجتمع، منها: المقاومة بين النظرية والتطبيق، حكاية صابر، تأملات قرآنية، ورسالة الوسطية في الجهاد والفكر والتربية."
رفض الاحتلال الإفراج عن محمود في صفقة وفاء الأحرار عام 2011 رغم شمول رفاقه، كما استُبعد من قوائم أسرى ما قبل أوسلو عام 2013 بدعوى خطورته الأمنية.
يقول ابن خالته: "كنا نتابع كل صفقة بقلوبنا، وفي كل مرة كان اسمه يُرفع في اللحظة الأخيرة."
لكن في صفقة طوفان الأقصى تغيّر كل شيء ظهر اسم محمود أخيرًا في قوائم الإفراج.
يقول : "لم أتمالك نفسي، بكيت كطفل. بعد 32 عامًا، سيعود محمود حرًّا."
بعد خروجه من السجن، نُقل محمود إلى مصر برعاية الصليب الأحمر، حيث يقيم مؤقتًا في أحد المراكز المخصصة لاستقبال الأسرى المبعدين.
يقول الحوت: "شاهدته عبر شاشات التلفزة يتحدث للمرة الأولى بعد خروجه صوته كان مختلفًا، متعبًا لكنه مفعم بالإيمان والثبات قال لي في مكالمة قصيرة: خرجت من الزنزانة، لكن قلبي ما زال في عناتا."


